في مخيمات السوريين .. ليس الخبر كالمعاينة 17:08 م الثلاثاء 15 رجب 1433
في المخيمات السوريين .. ليس الخبر كالمعاينة !!
حينما تتخذ قراراً بشأن رحلة إنسانية تطوعية ... ينتابك شعور غريب تجاه المستقبل .. وخاصة في منطقة حدودية تكثر فيها الأحداث على مدار الساعة !! وهنا تجتمع طاقة الإنسان الإيمانية والروحانية ويتجلى أمامه الأجر والثواب في كل خطوة يخطوها ... ويستشعر أجر كل شوكة يشاكها في سبيل الله .. فلا يشعر مع الأشواك إلا بلذة الأجر والثواب .. وهذا ما كان يتمايل أمام ناظري قبل انطلاقنا في هذه الرحلة التطوعية ..
كنت أتساءل كيف سنتحمل الحر والبرد حين نجلس عندهم ؟؟ وهل هذا سؤال ؟؟ غيرت السؤال .. وقلت : كيف سننام بأمان في المخيمات ؟؟ ومن سيحمينا ؟؟ أيضا أسئلة تعكس هاجس الخوف بعد أن نترك الأمن في بلاد الحرمين لنغامر ونسكن في مكان أقل أمناً – حسب ما نراه في الأخبار – ولكن قفز في ذهني قول الله سبحانه : "قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا هو مولانا " فاطمأن قلبي وهدأت نفسي .. فالرحلة كلها في سبيل الله ..
كان رفقي في الرحلة الشيخ عامر المهلهل – ونعم الرفيق والصاحب – خفيف الظل مرهف الحس ذكي لماح – ماشاء الله – كنا نخفف عن بعضنا وعثاء السفر بالبسمات نرسلها هنا وهناك .. وفي أول موقف لنا في الطائرة المتجهة من اسطنبول إلى أنطاكيا حدث مالم نتوقعه ... كنا نعتقد أن تركيا كلها - كما لمسنا ذلك في اسطنبول - تقف مع الشعب السوري ضد هذا النظام الظالم المجرم ... ولكن كانت الصدمة الأولى في هذه الرحلة !!! وتحولت الرحلة إلى قلق وهواجس ونحن سنصل إلى أنطاكيا في منتصف الليل !! القصة تبدأ في الطائرة من هنا :
كان الشيخ عامر إلى جهة النافذة اليمنى وأنا في المقعد المجاور .. وبعدي شخص لا أعرفه ولكن يتكلم العربية جيداً ... من عادتي في سفراتي أن أكسر الحاجز بيني وبين من حولي .. ولكن في هذه السفرة لم أفعل لدواع أمنية .. فأبى الله إلى أن يكون هذا الموقف !! سلم الشخص الذي على يساري وتعرفنا بشكل سريع .. حين علم أني من سوريا .. سأل هل أنت ذاهب إلى سوريا ؟؟! قلت : إن شاء الله حين يسقط النظام !! شعرت أني صفعته كفاً حامياً في ليلة شاتية !! ثم أردفت بكف آخر أشد حماوة فقلت : قاتل الأطفال لا يستحق العيش !! (إشارة إلى مجزرة الحولة) ثم سكتُّ !!! وإذا به ينهال عليّ بوابل من السباب والشتم البذيء الذي أترفع عن ذكره .. والذي نسمعه من الشبيحة النبيحة في الفيديوهات وهم يعذبون الشعب السوري !! حين سمعت منه هذا السباب ... تركته وأكملت وجبتي – ساندوتش – التي لم أشعر بطعمها أبداً بسبب ذلك الموقف ... ليس جبناً وإنما ترفعاً عن المستوى الذي يتحدث به .. فقد بدا لي كحشرة صغيرة تطن في أذني !!! ما كان مني إلا أن هششتها فما طارت وإنما أصرت على الطنين !! كان يقول : بدك تسقط النظام ؟؟! بدك تسقط الأسد ؟؟ نص تركيا مع الأسد .... ثم أكال سيلاً من التهم : أنت من عملاء إسرائيل !! ثم أقام الحكم مباشرة : أنتم لابد أن نبيدكم ونفنيكم !!! في هذه الأثناء التفت الشيخ عامر وكان شبه نائم !! ففتح عينيه الحمراوين وكان ينطلق منها الشرر .. وهو يقول : أنت تسب من ؟؟ تتحدث مع من ؟؟ صدقاً شعرت أن ذلك الشبيح أصيب برعب من نظرات عامر!! فقلت للشيخ عامر : أكمل نومك ودعه يكمل ... فلا فائدة من نقاش هؤلاء لأن عقولهم لن تتجاوز ما يتفوهون به من شتائم ... تركت ذلك الشبيح يتنهد بعصبية طيلة الرحلة .. فقد أفسدت عليه رحلته بكلامي ... ثم أخذت أتجاذب أطراف الحديث مع الأخ عامر أمازحه .... – فقد كانت الطائرة أغلبها من الطائفة العلوية – قلت : عامر .. ترى العلوية من أمامنا !! والعلوية أيضا من خلفنا .. وعن شمالنا العلوية .. وليس لنا والله إلى القفز من النافذة !!!
وصلنا بحمد الله لأنطاكيا ... كانت الحماسة عالية جداً أخذنا قسطاً من الراحة لم يتجاوز ثلاث ساعات بعد الفجر ثم انطلقنا على الساعة العاشرة وكانت المفاجأة في أول مخيم نصله .... ما هي هذه المفاجأة !!
في الحلقة القادمة إن شاء الله ...
د. منتصر الرغبان
التعليقات (كن أول المعلقين !)